في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

في رحاب عالم صناعة الساعات الراقية، يتألق اسم فرانسوا-بول جورن F.P. Journe كرمز للتفوق والابتكار. في جولتي الحصرية لمشاهدة مصانعه وزيارة مطعم «إف.بي.جورن لو ريستوران» F.P. Journe Le Restaurant، كان لي شرف لقاء العقل المدبر وراء هذه الإبداعات الفريدة. تجربةٌ كانت بمثابة رحلة عميقة تنقلني عبر الزمن، أسدلت أمامي الستار على رؤية الفنان وفلسفته العميقة والقرارات الاستراتيجية التي شكلت أكثر من أربعين عاماً من مسيرته المهنية المتميزة.

من مارسيليا إلى جنيف: مسار ملحوظ في صناعة الساعات السويسرية

في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

تتبع فرانسوا-بول جورن مساراً فريداً منذ بدايته في مرسيليا، وحتى افتتاح مصنعه تيم إس إيه (TIM SA) في جنيف عام 1996، تلاه تأسيس العلامة التجارية إف.بي.جورن في عام 1999. صعوده السريع، الغني بالابتكارات والإبداعات الرمزية مثل سونيري سوفيرين Sonnerie Souveraine، وأسترونوميك سوفيرين Astronomic Souveraine، جعله شخصية بارزة في صناعة الساعات السويسرية المعاصرة. كما أن ماكينات ساعاته المصنوعة من الذهب الوردي عيار 18 قيراط، والمختومة بعبارة «إنفينيت إيت فيسيت» Invenit et Fecit ، تشهد على تميزه التقني والجمالي، مما جعله يحصل على جائزة الإبرة الذهبية عام 2004، والتي عززت من مكانته في تاريخ صناعة الساعات.

المقر الحِرَفِي الجديد لـ إف.بي.جورن F.P. Journe

في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

في يونيو 2023، افتتح إف.بي.جورن F.P. Journe مبنى جديد في شارع فيروت مخصصاً لصانعي أقراص وعلب الساعات في جنيف، وهو تحت الإشراف الكامل للعلامة التجارية. وبذلك، تظهر الشركة استقلاليتها والتزامها بجودة مكونات الساعات، في خطوة نادرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مهارات صناعة الساعات. تم تصميم هذا المكان قبل ثلاث سنوات بعد الاستحواذ على مصنع مهجور في شارع فيروت، وتم تجهيزه بحيث تكون الورشات واسعة ومضيئة وكاملة التجهيز والترتيب، مع التركيز على الجودة، والإنتاج المحسن، وقبل كل شيء، على رفاهية الموظفين.

مصنع إف.بي.جورن F.P. Journe

في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

هو في قلب جنيف، المنشأة الوحيدة لصناعة الساعات في وسط المدينة. هناك يتم تصنيع وتزيين مختلف المكونات لماكينات الساعات، وكذلك تجميع الساعات الكاملة، حيث تعمل فرق صغيرة في هذا المجال، منتجة كماً محدوداً. ويُلاحظ أن أغلب العمال هم من الرجال، باستثناء أقسام الرقابة والزخرفة، حيث نرى وجوداً بارزاً للعنصر النسائي. وتجدر الإشارة إلى أن صناعة ساعة تُعَدُّ عملية معقّدة تتطلب دمج التكنولوجيا مع المهارة الحِرَفِية، فبالرغم من أن الآلات تساعد في تحقيق الكمال المطلوب، تبقى الحرفية التقليدية ضرورية لضمان جودة ودقة الساعات. في هذا المصنع يقوم صناع الساعات بالاستعانة بمهارتهم وخبرتهم لإنجاز كل مرحلة من مراحل عملية تصنيع الساعات، بما في ذلك مرحلة الضبط النهائي الحاسمة. وهكذا، يتم إنتاج 1000 ساعة ميكانيكية كل عام.

في مكتبه وعلى طاولته الخاصة، محاطاً بورش العمل وصخبها، يبتكر فرانسوا بول موديلات المستقبل لعلامته التجارية. في حين أن معظم دور صناعة الساعات تستعين بمصادر خارجية في عملية تصنيع أقراص وعلب الساعات، غير أن «إف.بي.جورن» شكلت استثناءً بارزاً؛ حيث تقوم بذلك داخلياً، مضيفةً بذلك لمسة مميزة إلى نهجها الحِرَفِي، ومحافظةً على مستوى عالٍ من الخبرة والمواصفات الدقيقة الخاصة بالعلامة.

مطعم إف.بي.جورن لو ريستورانت: تلاقي عالَمَيْن من التميّز

في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

يقع المطعم في مبنى تاريخي كان يُعرف سابقاً بـ «لا بافاريا» La Bavaria و «لو روليه دو لانتركوت» Le Relais de l’Entrecôte. هو مكان مرموق يُمثل جزءاً من تراث البيسترو لمقاطعة جنيف، وقد افتتح أبوابه في نوفمبر 2023. يديره فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe، والشيف المتوّج بنجمة؛ دومينيك غوتييه Dominique Gauthier. هذا المكان الغني بالتاريخ يقدم مزيجاً أنيقاً من صناعة الساعات وفن الطهي. المطعم يضم قطعاً من صناعة الساعات في جو كلاسيكي بامتياز، مما يجعله امتداداً طبيعياً لعالم صناعة الساعات. طاولات المطعم مصممة بطريقة تكرم «حِرَفِيِي الزمن»، وهم صانعو ساعات مشهورون أثرَوْا التاريخ. كما تعرض البراويز المعلقة على الجدران ماكينات ساعات معقدة من توقيع إف.بي.جورن، خالقة جواً فريداً في المكان. واستلهامًا من إرثه العريق، يُقدم المطعم تجربة فاخرة تتسم بالكمال، من الترحيب بضيوفه بحفاوة، ومن التميز بتقديم أطباقه الفاخرة، عاكسا بذلك السعي الدؤوب نحو الكمال الذي يميز مؤسسه. كل ذلك في أجواء تتناغم فيها الأناقة مع الراحة.

حوار مع فرانسوا-بول جورن

 François-Paul Journe: رائد فن الزمن

في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

الرجل يبدو هادئاً، وصوته العميق ينبعث بثقة. فتراه متّزناً مستقراً، يتمهل قبل الإجابة على الأسئلة عند شرح أفكاره. صراحته واضحة، مع تواضع حقيقي جَمّ، ونكهة من روح الدعابة. في الحقيقة هو لقاء مع شخصية استثنائية.

لقد كانت مراكز إنتاجكم متجذرة في جنيف منذ زمن طويل. مع افتتاحكم مقرات جديدة هذا العام، ما هي رؤيتكم نحو هذا التوسع المهم؟

امتلاكنا للمقرات أمر أساسي. فعندما تكون مستأجراً، تعرف مسبقا أنك ستتركه، وبالتالي يكون إنفاقك أقل. لكن عندما تكون مالكاً، فإنك تعمل على المدى الطويل، ولذا تقوم بالأمور بشكل جيد، بل وأفضل من الجيد إن استطعت!  إن الامتلاك يفتح الباب أمام تنفيذ مشاريع ذات طموحات واسعة. ولولا كوننا مالكين، لما تمكنّا من خوض غمار مثل هذه المبادرات الجريئة. فالتزامنا يتضح في كل خطوة نخطوها.

غالباً ما نجدكم تسهمون في المبادرات الخيرية. كيف تقيّمون أهمية هذه المشاركات في رؤيتكم الشاملة؟

نحن ملتزمون بدعم مجموعة منتقاة من القضايا التي نجدها ذات أهمية خاصة، مثل ‹أكشن إنوسانس› Action Innocence، وهي منظمة غير حكومية تعمل على الوقاية وحماية الأطفال والمراهقين من مخاطر الإنترنت، إضافةً إلى ‹أونلي ووتش› Only Watch، التي تركز على تمويل الأبحاث المتعلقة بالأمراض العضلية، وكذلك مؤسسة ألبرت الثاني في موناكو لحماية البيئة العالمية.

كما أنني أظهر اهتماماً شخصياً بالمبادرات التي يقودها أصدقائي من الأطباء، مثل البروفيسور سايان Saillant، الذي يركز على أبحاث أمراض الدماغ. يشبه هذا العمل استكشافات كريستوفر كولومبوس؛ إذ لا يزال هذا المجال مجهولاً إلى حد كبير، ولا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن الدماغ.

في المزادات الأخيرة، تبدو ساعاتكم دائماً في الطليعة، مُسجلة الأرقام القياسية. فالمزاد الذي أقيم في فيليبس Phillips بنيويورك يبدو أنه يتبع هذا الاتجاه. كيف تفسرون هذه الظاهرة؟

المزادات العلنية لها دور حيوي إذ تعكس تقدير العالم لجهودنا. كما أن السوق الثانوي، وبالرغم من تقلباته، يعكس صدق تأثيرنا. إذا حافظت ساعاتنا على قيمتها، فهذا يعد دليلاً على تقدير الحِرَفِية التي نقدمها.

في صميم العشق: رحلة في عالم فرانسوا-بول جورن François-Paul Journe

تختارون عدم الاستعانة بسفراء للترويج لإبداعاتكم، وكأنكم تتجنبون الانصياع للاتجاهات الرائجة. هل تعتبرون هذا النهج ميزة لدور صناعة الساعات المستقلة؟

عملاؤنا هم سفراؤنا الأكثر صدقاً، فنحن نفضّل البساطة على الشهرة، لأننا لا نتّبع المعايير التقليدية في عالم الموضة. هذا النهج شكّل هويتنا بعمق. كما أن نحواً من 70% إلى 80% من عملائنا هم من جامعي الساعات، ووفاؤهم الثمين يجعلهم أفضل سفرائنا. أننا لسنا مثل العلامات التجارية الأخرى التي تركز على التشابه مع شخص ما أو مطابقة صورة معينة.

وكذلك نحن ندعم شخصيات عامة، خاصة في عالم الرياضة مثل سارة هوفلين Sarah Hoefflin، دونا فيكيتش Donna Vekic، وجوليانو أليسي Giuliano Alesi، الذين لدينا معهم روابط صداقة قوية.

كيف تنظرون إلى نجاح بعض العلامات المستقلة بعد تجربتكم التي تمتد لأربعين عاماً؟

بعض العلامات تشهد نجاحاً سريعاً، لكن هذا قد يكون مضللاً. فنموذج أعمالهم، المعتمد على هوامش ربح وسيطة عالية وتسويق مكثف، قد يرفع الأسعار دون قيمة مضافة حقيقية. هذه المنتجات المُصنعة بكميات كبيرة، تُباع بأسعار لا تعكس القيمة الحقيقية لما تشتريه. نحن نؤمن بالابتكار، وسلاسل التوريد القصيرة، والتسويق المتوازن. هكذا نحافظ على القيمة الحقيقية لساعاتنا. ولديَّ رؤية خاصة حول صناعة الساعات العصرية والعلامات الناشئة. فأنا أُقَدِّر على سبيل المثال عمل سيلفان بينو Sylvain Pinaud في سانت-كروا Sainte-Croix، وأرى أنه رجل بصيرة. أما الآخرون، فأرى أنهم يفتقرون الأصالة. فأنا شخصياً، أضيف تعقيداً جديداً كل عام منذ 25 عاماً!

تعملون مع عدد قليل من الموزعين واخترتم فتح متاجركم الخاصة على المستوى العالمي. هل توضحون المغزى من ذلك؟

التحكم في التوزيع أمر جوهري بالنسبة لنا. فمن خلال امتلاك متاجرنا الخاصة، نَحُدُّ من المضاربات في السوق؛ إذ إننا نرغب أن تكون ساعاتنا متاحة لمن يقدّرونها حقاً، بدلاً من أولئك الذين يبحثون فقط عن فرصة للاستثمار. هذه الطريقة تتيح لنا غربلة وتصفية عملائنا.

هل يمكنكم الحديث عن ساعتكم المفضلة وأهميتها بالنسبة لكم كمبدع؟

ساعتي المفضلة دائماً هي تلك التي أعمل على تصميمها حالياً! عندما أنظر إلى إبداعاتي السابقة، أجد نفسي أتساءل: «ما الذي يمكن أن يكون معيبًا فيما صنعت؟». فالصناعة عملية تعلّم مستمرة.

وإذا كان عليّ تحديد الإبداعات التي شكلت سمعتي، فإن الكرونومتر ريزونانس Chronomètre à Résonance يحتل مكانة خاصة في قلبي. وكذلك، تُعد السونيري سوفيرين Sonnerie Souveraine والأسترونوميك سوفيرين Astronomic Souveraine تحدياً هائلاً. قليلٌ من العلامات يمكنها تحقيق مثل هذه القطع الساعاتية المعقدة. إنها هيمالايا عالم صناعة الساعات.

من المطعم إلى إبداعاته الساعاتية، يُظهر كل عنصر التزاماً مستمراً بالتميّز. فرانسوا-بول جورن، الرائد والمبدع، يعزز مهارة التصنيع بمزيج متقن من التقاليد، والابتكار، والأصالة، مؤكداً بذلك مكانته الرائدة في عالم الساعات الفاخرة.

تابعوا المزيد: راينر برنارد: ساعة لايدي فييري Lady Féerie إبداع آسر من Van Cleef & Arpels

Join the Conversation

1 Comment

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *